الصفحة الرئيسية  متفرّقات

متفرّقات الشيخ الأمين التليلي: علوش العيد بين العادة والعبادة

نشر في  24 سبتمبر 2014  (12:43)

عن أيّ أضحية أو «علوش» أو «كبش» يتكلّم الناس اليوم ويتناولون في نواديهم ومجالسهم وفي أسمارهم.. في سرّهم وفي علنهم بالعشيّ والابكار وحين يظهرون.
هل يعنون النسك وفق هدي الله بل وشرعه الحكيم وهدي النبي الكريم ے ونهبه الانساني الرحيم. أم يقصدون «العادة والعرف» وفق الأهواء والأمزجة والرّغبات والشهوات لتكوّن في النهاية هي «للفلكلور» أقرب و«بالمسرحية» ألصق..
انه كان يراد لها أن تكون منسكا دينيا، تعبديا «قل انّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أُمرت..».
وقال سبحانه:«لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه» فلا بد وجوبا من استحضار الأحكام والآداب والأهداف والغايات السّامية والمقاصد النّبيلة المتعلّقة بها.. مع الأخذ بعين الاعتبار الواقع والزمان والمكان ـ والتي منها ـ وباختصار ما يلي:

أولا: أن تضع و«تفبرك» وتربّي الأمة الاسلامية علّوشها بنفسها من البداية الى النهاية علفا ومرعى وتزكية وعناية ومتابعة وعلاجا.. فتكون امّة مخرجة لثرواتها الحيوانية الخاصّة بها لا ان تكون عالة على الأمم أو ان تكون الأمم مثل اسبانيا ورومانيا وبولونيا أمما منتجة مبدعة خلاقة  والأمة المسلمة مستهلكة.. انّه لعيب ان يكون هؤلاء مبدعون ونحن نستهلك والحال ان الرسول الكريم ے  كان قد حثّ على الانتاج المحلي والاكتفاء الذاتي منذ قرون قائلا:«ما أكل أحد طعاما قطّ خيرا من ان يأكل من طعام يده» والحاصل ان الشعوب التي لا تنتج «علوشها» ليس من حقّها ولا ومن واجبها ولا من أخلاقها أن تضحّي .. الأمة يجب ان «تحشم على روحها».

ثانيا: الأضحية اليوم عند الأغلبية الساحقة هي شراء (ولو على حساب ميزانية العائلة المهتزّة المهترئة)  فتفاخر فذبح فتخزين في الثلاجة.
فيشرع في الاستهلاك بنهم وخشوع وتسارع وتلاحق لا مكان للوقوف أو التوقّف، أضحية الله والدين والنبي والمؤمنون منها براء فلا وزن لها ولا ثواب ولا أجر لأنها عادة أسست على التفاهة والسّذاجة وعشق البطن وكفى.

ثالثا: الأضحية في الدين  محطة وفرصة لتحريك قيم النبل والإيثار والمودة والرحمة..  اقتطف منها فقط كيف توزّع ولماذا توزّع وعلى من توزّع؟
 توزّع الأضحية على ثلاثة انصباء، أ) نصيب منها للفقراء والمعوزين والمحتاجين، الثلث أو ما يقارب الثلث، ب) نصيب منها للأجوار والأصدقاء والأقارب كهدية، وتواصل اجتماعي «تهادوا تحابّوا»، ت) الادخار وهو ثلث أيضا وفي هذا توسعة على الأسرة..
وهذا التقسيم يؤخذ به في الوضع المادي والمالي العادي في المجتمع، أما في الأوضاع الحرجة حيث يكون للفقر والبطالة حضور كبير  فان التوزيع يكون لصالح هؤلاء وقد يؤثر المؤمن المؤمن «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة» لدرجة ان تتحوّل الأضحية برمّتها للقليل.

رابعا:  لا حاجة للتذكير ان أغلب الذين يضحّون باسم التدين في الظاهر وعلى أساس  انّ هذا النسك سنة او سنة مؤكدة او مستحبة، هم في الواقع لا يقومون بفرائض هي أولى وأقرب للتقوى مثل إقامة الصلاة وايتاء الذكورات ودفع الضرائب واداء الأداءات والالتحاق بالعمل في الوقت القانوني وأداء العمل على الوجه الأكمل وعدم الغش وعدم السرقة والعناية بالبيئة وخدمة البلاد والعباد بصدق واخلاص.

أخيرا في وضعنا الراهن إذا أردنا ان نتحدث من زاوية دينية صادقة صالحة ومن رؤية ثاقبة ومن مفهوم مقاصدي يشرف الدين واهله ومنتسبوه وإذا رمنا تأكيد الاخوة وتجسيد الإيثار عملا بـ:«انّما المؤمنون اخوة» و«المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض فانّه لابدّ من تعويد وتربية وترويض العقل العربي على التفكير في الانسان الآخر» ومحاولة الدّوس على «الأنا الأعلى» و«على الآثرة» وبعد هذا يمكن التفكير في تنزيل أثمان «العلالش» في صندوق خاص ليتولى بدوره نيابة عن صدق الصادقين واخلاص المخلصين إحداث مواطن شغل للمظلومين والحيارى بعيدا عن لغة «الكرش» في انتظار ذلك سأظلّ أنوح وأبكي «يؤرقني التذكر حين أمسي».. حتى يعود لي رشدي فلا أتقدّم بمثل هذه الاقترافات مستقبلا او يفهمني قومي حيث يعود لهم رشدهم.. فيجد هذا الطرح أو غيره قبولا لديهم واستحسانا فيصبحوا بعيدين عن الرّداءة ، مرتدين عن السّخافة والتفاهة، ثائرين على مفهوم «انّ الأضحية عادة وكفى».
ومستحضرين في الآن نفسه ان الرسول ے هو الذي دعا في وقت من الأوقات الى اخراج الأضحيات كلها الى المستضعفين في الأرض «الفقير والزوالي والبطال».. حيث نها عن ادّخار لحوم الأضاحي.. كضرب من ضروب التكافل الاجتماعي والتآزر الانساني خاصة في أوقات الشدّة والغسرة، وقلة ذات اليد والغلاء وهو حالنا اليوم تقريبا.

youtube:amin limam